...جار التحميل

يوسف بودرهم يصرخ بما في القلب، حين تتحول القيم إلى شعارات والمخيمات إلى غنائم.

للأسف، عندما تسيَّسُ القيم وتُختزلُ الطفولة في الحملات الانتخابية، نعتز بشهادة الوفاء في زمن الرداءة.

تم نسخ الرابط !
تم نسخ الرابط !
10 يوليو 2025 à 01h13

نحن اليوم أمام وضع مقلق، وما يحدث في مقاطعة اليوسفية الرباط ليس معزولا أو مستورا، بل هو امتداد لمنطق بات ينتشر في مدن عديدة، حيث تُحول فرص الطفولة والمخيمات إلى غنائم حزبية. نعم أصبحنا اليوم نعيش أزمة أخلاقية، عندما بات البعض يُفرغ المخيمات الصيفية من مضمونها التربوي، وتوزع مقاعدها على أساس الإنتماء الحزبي أو التبعية السياسية عوض الكفاءة والاستحقاق، هذا الوضع الهجين ثقافيا وسياسيا يجعلنا بصدد إفساد المستقبل في مهده، وهذا ما يقلقنا كبديل حركي. وهنا تعود بنا نوستالجيا اللحظة، وأقولها دون تحفظ أو تصنع، لم أختلف مع أوزين يومًا، لا في الجوهر ولا في المبدأ، فهو رجلٌ لا يهادن حين يتعلق الأمر بالوطن، ولا يساوم في ما يؤمن به، أعتبره قامة سياسية وطنية، وأستاذ مُلهم، يتقن الإصغاء للواقع كما يتقن النطق بالحق، ويؤمن بإخلاص نادر، بأن الأمل يُصنع بالإرادة، وبأن الشباب ليسوا مشروعًا مؤجلًا، بل قوة تغيير حاضرة. الوقوف إلى جانبه لم يكن اصطفافًا، بل انحيازًا واعيًا لما تبقّى من نقاء في المعادلة السياسية. إنه وزير الشباب والرياضة السابق، الذي نَعَته البعض بـ"وزير الكراطة"، وهي صورة طبعت ذاكرة الرأي العام، وحدثٌ شهدناه حتى في ألمانيا، إحدى أعظم الدول احترامًا للإنسان والنظام. ورغم كل ذلك، لا يسعنا إلا أن نقول شهادة حق، فالساكت عن الحق شيطان أخرس، لقد كان أوزين رجلاً وفيًّا لبراءة الطفولة، مخلصًا لسعادة الوجوه الصغيرة، لم يسعَ يومًا إلى تسييس أحلامهم، ولا إلى مصادرة فرحتهم. بل حمل همَّهم بقلب صادق، ونَفَس نقي، وإيمان عميق بأن العدالة في الفرص تبدأ من ضحكة طفل. كان يرى في ابتسامة طفل أو شاب مشروع وطن، وفي ضحكته وعدًا بمستقبل لا تحكمه الحسابات السياسوية، بل تبنيه القيم النبيلة، تلك التي ينبغي أن تشمل جميع أبناء الوطن باختلاف مشاربهم، وكافة الجمعيات التي تمنحها أم الوزارات، وزارة الداخلية، الشرعية والمشروعية، لا بناءً على الاصطفاف، بل تأسيسًا على المساواة والحق والقانون.

ولنعد إلى واقعنا اليومي الذي نعيشه هذه الأيام، الذي تتشابك فيه أنساق التاريخ بالمستقبل، وتتداخل فيه منظومات السياسة بالقيم، نُدرك أننا نعيش في إطار منظومة لا تزال تعاني من أعطاب بنيوية، خاصة في ما يتعلق بالبعد الإنساني والثقافي والتربوي، لا توجد كراطة، ولا معاول هدم، لكن توجد أنانية حزبية واستغلال سياسي، وريع إنتخابي. نعم، هناك مجهودات جبارة تُبذل من طرف المؤسسة الملكية برؤية استباقية وتبصر كبير، غير أن عمق الأزمة لا يكمن فقط في البنية، بل في الضمير الذي يُفترض أن يؤطر الفعل السياسي والعمومي. لقد أصبح من اللازم اليوم إعادة النظر في الطريقة التي تُدار بها بعض الوزارات الحساسة، خصوصاً تلك المرتبطة بالثقافة والطفولة والشباب. فحين يتم تسييس هذه القطاعات الحيوية وتحويلها إلى أدوات انتخابية عوض أن تبقى ورشًا تنموياً مستداماً، فإننا نكون أمام خطر حقيقي يُهدد العدالة المجالية والفكرية والفرص المتكافئة لأجيال المستقبل. لا يمكن أن نقبل أن تُختزل الطفولة في مشهد مناسباتي، أو أن يتحول الاستثمار في الثقافة إلى شعارات تُرفع في موسم سياسي وتُطوى بانتهائه. هذا تشويه لأدوار الوزارات التي يُفترض أن تكون نابعة من منطق بناء الإنسان، لا من منطق الربح السياسي. إن الجهل السياسي الحقيقي لا يتمثل في اختلاف المواقف، بل في إقحام السياسة في ما يجب أن يكون فوق السياسة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: التربية، القيم، الطفولة، الثقافة.

ونافلة القول، نحن في حاجة ماسّة إلى تحصين هذه الوزارات من التقلبات السياسية، وجعلها مؤسسات ذات بُعد وطني عابر للحسابات الضيقة، لأن الأمر يتعلق بمستقبل الوطن، لا فقط بمستقبل حزب، فالرهان الحقيقي ليس في بناء البنيات، بل في بناء الوعي والقيم، وهذا لا يتأتى إلا إذا آمنا أن التنمية ليست فقط جسورًا وملاعب، بل فكرًا وكتابًا وطفلاً يُتاح له أن يحلم بعيدًا عن أي لون سياسي. فالمطلوب اليوم ليس فقط إعادة بناء السياسات، بل إعادة الاعتبار للقيم، وضمان استقلالية الوزارات الثقافية والتربوية عن المزايدات السياسوية. #نحبك_يا_وطني.

أضف تعليقك

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

// Function dyal Copy Link top // Function dyal Copy Link bottom