...جار التحميل

المجتمع المدني المغربي وصناعة الخطاب السياسي.

بودرهم يوسف: باحث في القانون العام والعلوم السياسية. متخصص في الديمقراطية التشاركية والمجتمع المدني

تم نسخ الرابط !
تم نسخ الرابط !
15 أغسطس 2025 à 19h05

يشكل المجتمع المدني بمفهومه الواسع، الذي يشمل التنظيمات غير الحكومية، الجمعيات، الشبكات الحقوقية، والمؤسسات ذات البعد التطوعي، أحد المكونات الجوهرية في هندسة المشهد السياسي المغربي. وبالتالي، لا يجب أن نعتبره مكمّلا فقط للعمل المؤسساتي الرسمي، لأنه يضطلع بمهمة نوعية في صياغة الخطاب السياسي وتوجيه النقاش العمومي، وهذا ما يعكس موقعه كشريك أساسي في تنزيل فلسفة الديمقراطية التشاركية التي أقرتها الوثيقة الدستورية للمملكة المغربية لسنة 2011. وفي نفس السياق، يبقى الحديث عن دور المجتمع المدني في إنتاج خطاب سياسي سليم أو هجين، ليس ترفًا فكرياً، بل هو سؤال إشكالي كبير يتقاطع مع قضايا الشرعية الديمقراطية، وجودة السياسات العمومية، ومصداقية الفعل والفاعل والمفعول به الجمعوي، خصوصاً ونحن أمام مرحلة مفصلية تتسم بنقاش عمومي كبير، حول تعديل قانون الانتخابات وتوسيع قنوات المشاركة المواطنة. لهذا، سنقف عند ثلاث نقاط نراها جوهرية في بلورة فكر جمعوي راقٍ، يواكب الدينامية التنموية التي تعرفها بلادنا.

١) المجتمع المدني كفاعل في ترشيد الخطاب السياسي: حين يلتزم الفاعل الجمعوي بمرجعيته الوطنية، وينطلق من القيم الدستورية المتمثلة في النزاهة، الشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة، يصبح المجتمع المدني رافعة لترشيد الخطاب السياسي من خلال: + تأطير النقاش العمومي: يجب أن يُؤطَّر الفِعل الجمعوي، من تحويل النقاش السياسي، من نقاش خطاب الشعارات، إلى خطاب قائم على المعطيات الميدانية والتحليل العلمي للسياسات العمومية. +تعزيز الوساطة المجتمعية: لابد من التركيز على قضايا تنموية محورية كالتعليم، الصحة، العدالة الاجتماعية، والعدالة المجالية، وإعادة ربطها بأولويات المواطنين عبر بوابة المشاركة المواطنة. +إبراز النخب والكفاءات: ضرورة التفاعل مع المحيط والكفاءات التي تمتلك القدرة على صياغة مشاريع مجتمعية متكاملة، بعيداً عن منطق الحملات الانتخابية الموسمية، والسياسات الإقصائية الممنهجة التي لا تخدم مصلحة المنطقة. ⬅️لقد عرفت الساحة المغربية تجارب رائدة في هذا المجال، حيث استطاعت جمعيات ومبادرات مدنية أن تتحول إلى قوة اقتراحية حقيقية، فرضت نفسها كمساعد في التنمية المحلية، كما حدث في بعض الملفات المرتبطة بالبيئة، الحماية الاجتماعية، أو مواجهة آثار جائحة كوفيد-19، وتنزيل التشاركية بشكلها المحلي"مجالس الأحياء الغير منتخبة"

٢) المجتمع المدني كمنتِج لخطاب سياسي هجين: ض لا نختلف حول الذكاء والعقلنة الجمعوية التي تتطلب مجهود فكريًا، لكن الواقع يؤكد لنا أن المجتمع المدني رغم الإصلاحات الفكرية والأكاديمية، قد ينحرف جزء منه عن رسالته الأصلية حين يخضع لمنطق التمويل المشروط أو الولاءات الحزبية الضيقة، هنا نتحول إلى خدمة أجندة تنتج لنا خطاب سياسي هجين يتميز : + تضخيم القضايا الهامشية: وهذا يأتي على حساب الملفات الاستراتيجية، التي تتطلب تفكير عميق في الحلول البديلة. +تسييس العمل الجمعوي: بحيث نصبح أمام ظاهرة سلبية، تفرغ المجتمع المدني من مفهوم الاستقلالية الفكرية والعملية في أنساقه الوظيفية والبنيوية. +الارتكان للمصالح الضيقة، هذا الفعل المشوه، من طرف الأشخاص بشكل جماعي أو فردي، ينعكس سلباً على مصداقية الخطاب السياسي برمته، ويدخل الفاعل والفِعل الجمعوي ضمن خانة الحكم المشوه من طرف الساكنة. ⬅️هذه الانزلاقات ليست مجرد إخفاقات فردية، بل تمثل خطراً بنيوياً على المشهد الديمقراطي، لأنها تضعف ثقة المواطن في جدوى المشاركة المدنية، وتدفعه نحو العزوف أو الانخراط في أشكال احتجاجية غير مؤطرة، مما يؤثر سلباً على مصلحة الوطن.

٣) مقاربة فعالة لدور المجتمع المدني: انطلاقاً من الإطار الدستوري والقانوني، يمكن القول إن المجتمع المدني في المغرب يمتلك اليوم فرصة واضحة لتكريس ذاته كقوة فاعلة في إنتاج خطاب سياسي سليم عبر: +وضع آليات مؤسساتية جديدة: لابد وأن نعمل على تنزيل المبدأ الدستوري التشاركي، من خلال الإهتمام بالكفاءات الجمعوية المؤهلة للمساهمة في التشريع وصياغة السياسات العمومية. +تطوير مؤشرات لقياس جودة الفعل الجمعوي: يجب ربط الدعم المالي والعمومي بالأثر الفعلي على التنمية، وربطه بالمحاسبة. تعزيز التعاون المؤسسي:ت من واجب المجتمع المدني والسلطات العمومية والمجالس المنتخبة في إطار مبدأي التكامل والتوازن" الهرم التصالحي" العمل على تجويد الأفكار التي من شأنها المساهمة في العقلنة التدبيرية تفعيلا لمفهوم الذكاء الترابي.

٤) توصية خاصة "إدراج لائحة الكفاءات الجمعوية" بصفتي باحثاً ومختصاً في قضايا المجتمع المدني والديمقراطية التشاركية، أرى أن المرحلة القادمة تستدعي التفكير في إحداث "لائحة الكفاءات الجمعوية" كلائحة موازية للائحة الوطنية للشباب والنساء، على أن تضم فاعلين جمعويين ذوي مسار ميداني مثبت في خدمة المصلحة العامة. هذه المبادرة من شأنها: +ربط العمل البرلماني بالواقع الميداني: عبر إدماج خبرات نابعة من التجربة الجمعوية. +تعزيز الثقة بين المواطن والمؤسسات: من خلال تمثيل مباشر للكفاءات المدنية داخل السلطة التشريعية.

ونافلة القول، إن المجتمع المدني، في سياق التجربة المغربية، ليس مجرد أداة تكميلية، بل فاعل بنيوي قادر على ترشيد أو تشويه الخطاب السياسي، حيث يظل الفارق بين المسارين ط رهيناً بمدى التزام الفاعلين الجمعويين بالمرجعية الوطنية، والمقتضيات الدستورية، والمبادئ الأخلاقية التي تجعل من العمل المدني رافعة حقيقية للديمقراطية التشاركية، أما مسألة إدراج لائحة الكفاءات الجمعوية، فإنها تمثل خطوة نوعية نحو إعادة التوازن بين السلطة المنتخبة والسلطة المدنية، عبر تكريس حضور الفاعل الجمعوي كشريك دستوري في صياغة القرار العمومي.

أضف تعليقك

من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.

// Function dyal Copy Link top // Function dyal Copy Link bottom