أكثر ما أكره في هذه الدنيا، أولئك الذين يمارسون الخطابات السامة تجاه الوطن، متخفّين وراء شعارات الإصلاح والحرية، بينما هم في العمق لا يسعون إلا إلى لوي ذراع الدولة متى لم تُلبَّ لهم مصالحهم. هم لا يملكون مشروع ولا رؤية، بل ينتهجون خطاب هجين، مبني على ثقافتهم المحدوة (ثقافة اليوتوب YouTube) المبنية على التناقض الداخلي والنقص الذاتي، ويصيحون في الخارج بلغة النضال والمظلومية أو أصحاب النوايا الحسنة، ثم ينحنون في الداخل خوفا على امتياز أو تقرب من سلطة. يرفعون شعارات كبرى عن الديمقراطية والإصلاح، ثم يتقربون من الولاة والعمال في صمت، يطعنون في القياد حين لا تُفتح لهم الأبواب، ويتهمون الدولة بالتحكم حين لا تمنح لهم المقاعد. أسوأ ما في خطابهم هو أنهم يجعلون من القضايا الخارجية وسيلة للهروب من مواجهة الذات، يتحدثون عن فلسطين وأفريقيا والغرب أكثر مما يتحدثون عن الإصلاح في بلدياتهم أو في أحيائهم المهمشة، بل لا يؤمنون إلا بمصلحتهم الضيقة. إن هذا الخطاب المتناقض والمرتبك، لا يهدد فقط هيبة الدولة، بل يضرب قيم الوطنية في الصميم، لأنه يربي على الريبة، ويقتل الثقة في كل من يشتغل من داخل المؤسسات بصدق. نحن بحاجة إلى أصوات حقيقية، إلى شباب حقيقي يقول رأيها دون نفاق أو ازدواجية، لا أن نرى من يطعن ويُجامل في آنٍ واحد، من يهاجم المؤسسات ثم يتودد لها خلسة. الوطن لا يبنيه المنافقون ولا أصحاب الأقنعة السياسية، بل رجال ونساء أوفياء، يتحدثون من موقع الصدق لا المصلحة، ومن موقف الالتزام لا الانتهازية.
أضف تعليقك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.